الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مقدمة ابن الصلاح المسمى بـ «معرفة أنواع علوم الحديث» **
*1* وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، الغواصون على المعاني الدقيقة. اعلم: أن ما يذكر في هذا ومثاله: حديث: ((لا عدوى ولا طيرة)). مع حديث: ((لا يورد ممرض على مصح)). وحديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)). وجه الجمع بينهما: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سبباً لإعدائه مرضه. ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب: ففي الحديث الأول: نفى صلى الله عليه وسلم ما كان يعتقده الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال: (فمن أعدى الأول ؟). وفي الثاني: اعلم بأن الله سبحانه جعل ذلك سبباً لذلك، وحذَّر (170) من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده، بفعل الله سبحانه وتعالى. ولهذا في الحديث أمثال كثيرة. وكتاب (مختلف الحديث) (لابن قتيبة) في هذا المعنى: إن يكن قد أحسن فيه من وجه فقد أساء في أشياء منه، قصر باعه فيها، وأتى بما غيره أولى وأقوى. وقد روينا عن (محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام) أنه قال: لا أعرف أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان بإسنادين صحيحين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما. أحدهما: أن يظهر كون أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ. والثاني: أن لا تقوم دلالة على أن الناسخ أيهما والمنسوخ أيهما: فيفزع حينئذ إلى الترجيح، ويعمل بالأرجح منهما والأثبت، كالترجيح بكثرة الرواة، أوبصفاتهم في خمسين وجهاً من وجوه الترجيحات وأكثر، ولتفصيلها موضع غير ذا، والله سبحانه أعلم.
|